موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٩

مصر سنة ١٣١٢ ه‍ ـ ١٨٩٤ م ، وله فهرس هجائي. وقد طبعت جمعية المستشرقين الألمانية منه الجزء الثالث سنة ١٩٢٦ م والرابع سنة ١٩٣١ م في استانبول على نسخ بخط المؤلف كانت في مكتبة فاتح باعتناء پاول كاله ومحمد مصطفى ومورتسن سوبرنهايم إلا أنهم فاتهم أن يتموها على ما هو موجود في متحف الأوقاف الإسلامية باستانبول ويكمل الحوادث المطلوبة بخط المؤلف ، وعلهم يتلافون النقص في طبعة أخرى ...

ومن أجزائه التي بخط المؤلف في فاتح وفي متحف الأقاف تظهر نسخة كاملة. تصلح للطبع ...! وطبعة مصر كانت ناقصة ، فجاءت طبعة الجمعية مكملة لها لولا ذلك المغمز ...! وكان قد جرى تصحيح ملازم ما طبعته الجمعية بمساعدة ه. ريتر المستشرق الألماني الشهير.

والحاصل أن المراجع لمختلف العصور كثيرة ، ولا تزال الأيام تنشر المدونات وتثيرها. والعراق ضعيف العلاقة ، ولم يكن له من الشأن أن تراقب حوادثه باهتمام فيدون عنها ... ولعل التتبع المتوالي يوصل إلى ما هو أوسع ... والنصوص التي نوردها تعين قيمة هذه الآثار ...

٢١
٢٢

١

الدولة البارانية

(قراقوينلو)

(من المحرم سنة ٨١٤ ه‍ ـ ١٤١١ م إلى ١٤

جمادى الآخرة سنة ٨٧٤ ه‍ ـ ١٤٧٠ م)

٢٣
٢٤

الدولة البارانية

(قراقوينلو)

٢٠ ١ ـ فتح العراق :

كانت هذه الحكومة قد مارست الحروب ، وقامت بتدبير الملك وشعرت أن من واجبها القيام بالأمر ، ولا زالت في جدال ، تصافي الجلايرية مرة ، وتقارعهم أخرى حتى جاء دور حكمها ... فقتلت السلطان أحمد في أواخر ربيع الآخر سنة ٨١٣ ه‍ ـ ١٤١٠ م ، واستولت على بغداد في ٥ المحرم سنة ٨١٤ ه‍ ـ ١٤١١ م ، دخلها شاه محمد بن قرا يوسف ، فكان واليا عليها بالنيابة عن والده (١) ...

سبق لهذه الحكومة أن تمكنت في بعض الأنحاء العراقية كالموصل إثر وفاة السلطان أويس عام ٧٧٨ ه‍ ـ ١٣٧٧ م كما أن قرا يوسف امتلك بغداد سنة ٨٠٥ ه‍ ـ ١٤٠٣ م فأزاحه عنها أمير زاده أبو بكر من آل تيمور في سنته ، ولم يتول العراق إلا في هذه الأيام ... ومن ثم استمر حكم هذه الدولة في العراق إلى ١٤ جمادى الآخرة سنة ٨٧٤ ه‍ ـ ١٤٧٠ م ، فانقرضت ...

__________________

(١) تاريخ العراق ج ٢.

٢٥

٢ ـ أصل هذه الحكومة :

كانت في الأصل قبيلة توصلت إلى الحكم من طريق الرياسة ، وتسمى (البارانية) وماضيها القبائلي غامض ، والمعرفة به قليلة ، وكل ما نعلمه انها من القبائل التركمانية الأغزية جذم كبير من القبائل التركية.

٣ ـ القبائل التركمانية :

من حين قبول الترك الإسلام انتشروا في المملكة الإسلامية زرافات ووحدانا ودخلوا الجندية أفواجا ، وتولوا قيادة الجيوش مدة ، واشتهر منهم أمراء كثيرون فكانوا عضدا قويا ، وقاموا بخدمات عظيمة للإسلام ، وزاد عددهم في بعض المواطن على الأهلين الأصليين ، وبينهم من حصلوا على حكومات كبيرة ، ودولات مشهورة عاشت بصورة مدنية أو قبائلية ...

وقد عثرت على رسالة في بيان فضائلهم وسجاياهم عنوانها (تفضيل الأتراك على سائر الأجناد) مخطوطة رأيتها في خزانة الأستاذ الكرملي اللغوي الشهير ... تعين الكثير من أوضاعهم تعيينا علميا ...

ومن هؤلاء (القبائل التركماية) ، أو (التراكمة) ، ومواطنهم بين بلخ وبحر الخزر ونهر أمودريا والروس وإيران ... (١) وفي ديوان لغات الترك قد فرعهم من أغز إلى ٢٢ قبيلة تفرعت منهم البايندرية والأفشار وقنق قال ومن هذه الأخيرة السلاطين في زماننا (يريد السلجوقيين) ، وأوضح سمة كل قبيلة ، وهي سمات دوابهم وخيولهم ، وبين أن أسماء هذه القبائل أسماء أجدادهم الذين ولدوها في قديم الدهر فنسب إليهم ، وهناك قبائل تركمان تفرعت من آخرين (٢) وقال آخرون إن الغز مخفف

__________________

(١) لغة جغتاي ص ١٠٨.

(٢) ديوان لغات الترك ج ١ ص ٣ و ٥٧.

٢٦

أغزوان أتراك الأناضول والقفقاس وأذربيجان منهم ، وكذا العثمانيون وأن جدهم كوك خان أحد أولاد أغز (١) ...

وفي جامع الدول : «التركمان صنف من الترك خرجوا من بلاد تركستان وجاؤوا إلى خراسان قديما ، ثم تفرقوا في البلاد ، وكثروا بلحوق من خرج بعدهم ، وبالتوالد والتناسل. وهم أصحاب خركاهات (نوع خيام) ، ومواش ، وكانوا يرتحلون إلى المصيف والمشتى ، واندرج فيهم كثير من طائفة الغز ، فأطلق عليهم التركمان ... وهم قبائل شتى لكل قبيلة عشائر وبطون وأفخاذ لا تحصى ولكل واحدة منها اسم مخصوص ، متعارف فيما بينهم ...» ا ه.

وهكذا جاء الكلام عليهم مفصلا في (مجموعة تواريخ التركمان) ، وفي أوليا چلبي وكذا القلقشندي عدد التركمان وذكر أمراءهم ، ومشاهير رجالهم وما يكتب إليهم (٢) وفي (مسالك الأبصار) أسهب فيهم القول.

ولا يختلفون في تفريعهم عن القبائل العربية كما في شجرة الترك وغيرها ... والحكومة الموضوعة البحث إحدى هذه القبائل ، نسي طريق اتصالها بجدها ... والظاهر أن (باران) أحد أحفاد أوغوز وصارت تسمى (البارانية) نسبة إليه ، جاءت من أنحاء تركستان الغربية ، هاجرت إلى أذربيجان وسيواس أيام أرغون خان المغولي ... واستخدمتها الجلايرية ، وقارعت تيمور إبان هجومه ... وكانت في نضال مستمر مع المجاورين حتى صارت صاحبة الأمر والنهي ... ولغتها ـ كسائر التركمان ـ آذرية ، ولا تختلف عن التركية الشائعة عندنا في العراق .. ولا عن التركية العثمانية إلا أن العثمانية تهذبت أكثر بقبولها الحضارة الإسلامية والمصطلحات العلمية ، فدخلتها ألفاظ كثيرة حسنت وضعها

__________________

(١) ترك بيو كلري ص ٢١ طبع باستانبول سنة ١٣٣٣ ه‍.

(٢) صبح الأعشى ج ٧ ص ٢٨٠.

٢٧

ولطفت آدابها ، وصارت معينا فياضا للشعر وللنثر ...

جاء في تاريخ دوكيني أن مؤرخي الروم يدعونها (ماورو پروواتا) (١) وشاع اسمها ب (قراقوينلو) ، وأصل ذلك أنها كانت سمتها (الشياه السود) كانوا في قديم الزمان قد اقتنوا في وقت (شياها سودا) فعرفوا بها كما عرف غيرهم بشياهه البيض (آق قوينلو) ، وآخرون ب (قراكچيلي) لاقتنائهم (المعز السوداء) ، ولا يشترط أن يدوم ... وإنما هو وصف عرفوا به ، واستمر فيهم وصار من نوع الوسم أو النبز فلازم ... ومعنى قراقوينلو (سود الغنم) ومنهم من يقول إن أعلامهم كانت فيها شارة شياه سود.

٤ ـ ترجمة اسم القبيلة :

هذا غير معهود ولا قائل به من المؤرخين وفي هذه الأيام رأينا في بعض التواريخ العراقية ترجمة اسم القبيلة غلطا ولما كانت التسمية (علما) فلا وجه للتصرف به وإنما ينطق به عينا ولم يسبق أن ترجم بل استعمله العرب في مختلف الأصقاع بلفظه ولا معنى لترجمة الأعلام بما يفهم من لفظها ...

ونرى الترجمة مغلوطة. لأن (الخروف الأسود) لا يعني قراقوينلو ، بل (قراقويون) فأهملت لفظة (لو) أو (لي) الدال على النسبة ويقصد منها سود الغنم على اعتبار الجنس فيقال قبيلة (سود الغنم) كما يقال (بيض الغنم) أو (سود المعز).

ولفظ قويون لا يطلق على الخروف وإنما يراد به الجنس (الغنم) أو (الشياه) فكان الخطأ ظاهرا في الترجمة ... وفي الدلالة .. وشاعت هذه في الأقطار العربية على علاتها مع العلم بأنه لم يسبق أن ترجمت قبيلة (بيات) ، و (أفشار) ، و (قجار).

__________________

(١) التاريخ العام ج ٦ ص ٩٩.

٢٨

وجاء في كتاب (المماليك في مصر) (١) اسم القبيلة بلفظ (قره قيون) ، و (الوبر الأسود) ، كما سميت هناك قبيلة آق قوينلو ب (الوبر الأبيض) مما لا يؤيده سند وقد نعت أيضا قرا يوسف ب (زعيم كردي) ... وقيل عن بركة أو بركاي (برخ) وعن اولجايتو (ايليجيتو) ، وعن أويرات (العويراتية) ... مما لا يقره التاريخ.

٥ ـ فروع هذه القبيلة :

لا تزال المعرفة الموسعة عن الشعوب والقبائل ضعيفة ... وليس في النصوص التاريخية ما يبرد غلة ... قال في جامع الدول :

«فمن جملة قبائل التركمان ... (قرة قوينلي) (٢) ولها عشائر عديدة ، وأعظمها اعتبارا عندهم عشيرة (بهارلو) ، وكان أمير القبيلة ورئيسها منها لا محالة ...) ا ه.

وليت هذا المؤرخ عرف بعشائرهم أو بطونهم ... ونعلم من النصوص الأخرى أن من عشائرهم (پاوت) وينتسب إليها والي بغداد (بير محمد) على ما سيجيء ... ولا تزال بقاياهم في العراق موجودة ، ولكننا لا نعرف علاقتهم بماضيهم ... معرفة كاملة ...

٦ ـ تاريخ ظهورها ومؤسس إمارتها :

كانت هذه القبيلة مهملة كعشائر كثيرة ، وقد خطت نحو الاستقلال أيام رئيسها (بيرام خواجه) وهذا اتصل بالسلطان أويس الجلايري وانتسب إليه عام ٧٧٥ ه‍ ـ ١٣٧٣ م كان قد استعان به السلطان

__________________

(١) طبع في المطبعة الجديدة. وأغلاطه التاريخية لا تحصى ، قال عن تيمور إنه ابن وزير جنكيز وأنه قام بعد موت جنكيز ... واكتسح دولتي المغول ووحدهما ، وبين أن السلطان فرج قبل جميع طلبات تيمور ومنها لزوم قتل قرا يوسف ... ص ٥١.

(٢) غالب العثمانيين يلفظونها بالياء هكذا (قره قوينلي).

٢٩

فتمكن ... وإثر وفاة السلطان استولى على الموصل وسنجار في عام ٧٧٨ ه‍ ـ ١٣٧٦ م. ومن ثم بدأ حكمها إلا أنها لا تزال تعد إمارة قبائلية ، وتخلل ذلك فواصل عديدة ، فقد انتزع الحكم من يدها أيام صولة الأمير تيمور لنك ومناوأته لها ...

وفي هذه الحالة كانوا يترقبون الفرص ، وينتهزون الوقت الملائم ، ولا يزالون كذلك حتى تمكن الأمير قرا يوسف (من ذرية بيرام خواجة) من الاستيلاء على أذربيجان بقتل ميران شاه ثم قضى على السلطان أحمد الجلايري وتسلط على بغداد فخلص له الحكم ...

وأول من عرف من أمرائها بيرام خواجه بن تورمش (١). وفي أيامه ظهرت هذه القبيلة كإمارة فارتفعت منزلتها عند السلطان أويس. ولما توفي السلطان في ٢ جمادى الأولى سنة ٧٧٦ ه‍ ـ ١٣٧٤ م استولت على الموصل وسنجار وأرجيش وأونيك توفي أميرها هذا سنة ٧٨٢ ه‍ ـ ١٣٨١ م ، وجاء في كنه الأخبار أنه توفي في حدود سنة ٧٨٠ ه‍ ولم يؤيد هذا نص ...

واعتبر المؤرخون هذه المدة بين الاستيلاء ، والوفاة (أيام الإمارة) ، وما قبلها (رياسة قبائلية) دامت له ٢٦ سنة ، وله ابن اسمه تورمش (٢) وخلفه أخوه مراد خواجه لمدة قليلة فتوفي ، وآلت الإمارة إلى (قرا محمد) ، بن تورمش فزاد على ما بيد أسلافه ، وحارب حاكم ماردين القاهر (كذا وصوابه الظاهر) ورأى المجال أوسع ، ونال غنائم وافرة ، ويقال في سبب حربه هذه أنه طلب من القاهر بنته ليتزوجها فلم يوافق ، فساق عليه العساكر ، ثم تصالح معه على أن يزوجه ابنة أخيه (٣) ...

__________________

(١) ورد في وقائع تاريخية بلفظ (دورمش) والشائع ما ذكر أعلاه.

(٢) جامع الدول والغياثي وغيرهما.

(٣) كنه الأخبار ج ٣ ركن ٣ ص ٣٤ ـ ٣٥ و (الظاهر) هو مجد الدين عيسى وهو المعروف من الأرتقية.

٣٠

وقرا محمد هذا تزوج السلطان أحمد الجلايري ابنته ، وهو الذي ساعد السلطان في حروبه لأخيه الشيخ علي حينما أعلن سلطنته ببغداد فكسر الشيخ عليا وقتله ، ثم ظهر تيمور فأزاح السلطان أحمد عن تبريز ولما سمع تيمور أن توقتامش طرق بلاده رحل عنها ، فانتهز قرا محمد الفرصة وتملك تبريز ، وأقام فيها ولده مصر خواجه. وفي سنة ٧٨٩ ه‍ ـ ١٣٨٧ م عاد تيمور ففر منه قرا محمد ، وقتل سنة ٧٩٢ ه‍ ـ ١٣٩٠ م. وفي الدرر الكامنة مات مقتولا في صفر سنة ٧٩١ ه‍ ـ ١٣٨٩ م نقلا عن العلاء ابن خطيب الناصرية.

وله من الأولاد قرا يوسف ، ويار علي وپير علي.

وكان قرا محمد أيام إمارته قد نازعه عمه نصر خواجه عام ٧٨٧ ه‍ ـ ١٣٨٥ م وكان رئيس القبيلة فأذعن لسلطان مصر ، وشوش على ابن أخيه ، واستولى بهذه الوسيلة على ماردين والأنحاء المجاورة للموصل ، وقرأ الخطبة باسم سلطان مصر ، فقوي نفوذه.

ولما قتل قرا محمد خلفه ابنه قرا يوسف في إمارته. وهذا في الحقيقة مؤسس دولة (البارانية) ، كان آنئذ مشتاهم العراق ، ومصيفهم أذربيجان وقد سلسل صاحب كنه الأخبار وقائع قرا محمد ، وفيها أنه أخذ الموصل في سنة ٧٩٨ ه‍ ـ ١٣٩٥ م ونصب بها أخاه (يار علي) ... ثم إنه في سنة ٧٩٩ ه‍ هاجم الأمير تيمور الجزيرة والموصل ففر قرا يوسف من وجهه إلى الشام ، وفي سنة ٨٠٠ ه‍ ـ ١٣٩٧ م رجع إلى الموصل فاستعادها.

وأكثر وقائع قرا قوينلو مبسوطة في (مجموعة تواريخ التركمان).

٧ ـ تزوج سياسي :

جاء في الضوء اللامع أن الأرتقي صاحب ماردين وهو أحمد بن

٣١

اسكندر نشأ في دولة ابن عمه الظاهر مجد الدين عيسى (١) بن المظفر فخر الدين داود ، فاختص به وزوجه ابنته ، واستخلفه على ماردين غير مرة ، فآل أمره إلى أن رغب عن ماردين لقرا يوسف بن قرا محمد بعشرة آلاف دينار وألف فرس وعشرة آلاف رأس غنم ، فزوجه قرا يوسف ابنته ، وأعطاه الموصل فتوجه إليها ... فلم يقم سوى ثلاثة أيام ومات هو وزوجه في سنة ٨١١ ه‍ ـ ١٤٠٨ م ، ويقال إن قرا يوسف سمه. ترك من الأولاد محمدا وأحمد ومحمودا وعليا ، فأخرجهم قرا يوسف من الموصل. وهو آخر ملوك بني أرتق. وقد أطال المقريزي في عقوده ترجمته (٢) ...

والحاصل ، جرى لهذه الحكومة (قراقوينلو) ما جرى مما ذكر في المجلد السابق حتى تم لها الاستقلال ، واستولت على العراق .. (٣).

حوادث سنة ٨١٤ ه‍ ـ ١٤١١ م

ولاية

الأمير شاه محمد

من ٥ المحرم سنة ٨١٤ (١٤١١ م) إلى ١٨ شعبان سنة ٨٣٦ (١٤٣٣ م).

__________________

(١) توفي الظاهر سنة ٨٠٩ ه‍ فخلفه الصالح أحمد بن اسكندر ، وكان ابتداء هذه الحكومة على ما جاء في ابن الأثير وغيره أيام تتش أخي ملكشاه السلجوقي بعد سنة ٤٩٠ ه‍ وقد عد المؤرخون وفاة الظاهر تاريخ انقراضها ، والصحيح أن آخر هؤلاء الملك الصالح أحمد ، مات سنة ٨١١ ه‍ فانقرضت الحكومة الأرتقية :

(أخبار الدول ، والدرر الكامنة ، والضوء اللامع).

(٢) الضوء اللامع ج ١ ص ٢٣١.

(٣) منتخب التواريخ ، والغياثي.

٣٢

واقعة بغداد :

فصلت هذه الحادثة تواريخ عديدة ، وقد مر ذكر بعض النصوص. وهذا ما قاله الجنابي في تاريخه : «لما قتل السلطان أحمد استقر مكانه في بغداد صبي من آل أويس واسمه شاه محمود من أبناء شاه ولد بن شهزاده علي بن أويس. وكانت تندو بنت حسين زوجة شاه ولد هي المدبرة في المملكة ، فحاصرهم شاه محمد بن قرا يوسف سنة ، ثم غلب على بغداد ، ونزحت عنها تندو بمن معها من دجلة إلى واسط ، فسار إلى تستر فملكها ، ثم احتالت على محمود شاه فقتل لأنه كان من غيرها ، واستقلت بالمملكة مدة وذلك في سنة ٨١٩ ه‍ ـ ١٤١٦ م» ا ه.

وجاء في أحسن التواريخ : «أن السلطان أحمد بعد قتله خلفه في بغداد سلطان محمد بن شاه ولد ... وكان قد وجد اختلافا ، وزادت الفتن من كل صوب ... فلما رأى شاه محمد ذلك انتزع اربل منه ، وسار إلى بغداد حتى وصل إلى باب سوق السلطان ، وفي اضطرابات بغداد قتل الأمير بخشايش ، وكان السلطان أحمد قد نصبه واليا ، واختار عبد الرحيم الملاح شحنة ، وظهر الاحتلال بأظهر معانيه ففر السلطان محمد إلى ششتر (تستر) ، ومن ثم استولى شاه محمد عليها» ا ه.

وهنا هذه التواريخ اضطربت في أسماء من خلف السلطان أحمد ، وفي المنهل الصافي : «كان أقيم في سلطنة بغداد ـ بعد قتلة السلطان أحمد ـ شاه ولد .. فقتل بعد ستة أشهر بتدبير زوجته تندو بنت السلطان حسين بن أويس ، وقامت بتدبير الملك من بعده ، ثم خرجت من بغداد بعد ستة أشهر فرارا إلى ششتر وملك شاه محمد بغداد» ا ه.

وهذا هو الصواب وعليه أكثر المؤرخين على أن شاه ولد كان يدبر الأمر باسم السلطان أحمد ، ثم هلك فنصب ابنه ، ومنهم من لا يعتبره ملكا وكانت الإدارة الحقيقية بيد (دوندي) ، ويعين الحالة بصورة جلية ما

٣٣

جرى من الإشاعات في أن السلطان أحمد لا يزال حيا ...! ذلك ما دعا أن تخشى دوندي سوء العاقبة ، كان قد نفذ صبرها ، فتركت بغداد. ومن ثم بدأ حكم دولة (قراقوينلو) وصار العراق تابعا لتبريز إلا أن الإمارة كانت مستقلة بيد شاه محمد استقلالا إداريا ...

أما بغداد فإنها لو لا الحالة الزراعية المساعدة ، والمياه المتدفقة والاستفادة من العمارة عند سنوح الفرصة ، أو عروض الهدوء والطمأنينة لكانت خبرا بعد عين ... لما نالها من زعازع واضطرابات وحروب أودت بعمارتها ، وشوشت أمرها مرارا عديدة ، وأزالت معالمها ، وذهبت بنضارتها ، وآخرها هذا العدوان بل الضربة القاسية ...

تصحيح :

جاء في كلشن خلفا أن الوالي على بغداد من دولة قراقوينلو هو الشاه محمود بن قرا يوسف ، وأنه دام حكمه ببغداد ٢٣ سنة ، ثم خلفه الشاه محمد ، وهذا ليس بصواب ، ومخالف لما اتفق عليه المؤرخون في مختلف العصور ، وقد راجعت بعض النسخ المخطوطة فلم تختلف ، وفي النسخة المطبوعة من لب التواريخ يوجد هذا الغلط فوجب التنبيه والتصحيح (١).

حرب ـ صلح :

في هذه السنة ساق الأمير قرا يوسف جيوشه على قرا عثمان ، وحاصر بلدة أرغني فطلب الأمير قرا عثمان الصلح فأجيب إليه وعاد الأمير قرا يوسف (٢) وكان غرضه أن يؤمن أطرافه ليقوم بأعمال عسكرية

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٢ ورقة ٥١ طبعة إبراهيم متفرقة ، ومخطوطتي ، ومخطوطة الأستاذ السيد عبد الحسين آل الكليدار في كربلاء.

(٢) لب التواريخ.

٣٤

جديدة. وهذه الطريقة في الحروب اقتبسها من تيمور لنك وكانت حالة عملية أدت إلى تجارب عنيفة ...

قال في أنباء الغمر : «دامت الحرب بين قرا يوسف وقرا أيلك (١) أكثر من شهر فقتل بينهما خلق كثير فخرب قرا يوسف بلادا كثيرة لغريمه ، وهرب غريمه إلى بعض الأماكن ، فأوصل الجند الخبر إلى قرا يوسف بأن شاه رخ ابن تمر قصد تبريز فترك حالته ورجع مسرعا فعاد قرا أيلك فنهبها ، وتوجه لتخريب بعض بلاد غريمه ووقع القتال في شعبان فأرسل قرا يوسف يطلب الصلح من قرا أيلك فلم يوافقه على ذلك ونهب سنجار وأخذ قفل الموصل وأوقع بالأكراد فافتدوا منه بمائة ألف ألف رأس غنم» ا ه.

وبغداد في نجوة من هذه الغوائل ، والحروب ...

وفيات

ذكرنا وفيات هذه السنة في الجلد السابق وليس لدينا ما يستدرك إلا وفاة الإخميمي وهو علي بن محمد بن الإخميمي البغدادي الأصل ، كان قد ولي الوزارة بمصر ، وشد الدواوين وكان يدعى الشرف (٢).

حوادث سنة ٨١٥ ه‍ ـ ١٤١٢ م.

الشيخ إبراهيم الشرواني ـ قرا يوسف : (الحكومة الدربندية)

الشيخ إبراهيم الشرواني أمير الحكومة الدربندية وقد مر الكلام عليه أذعن لتيمور بالطاعة ...

وكان الأمير قرا يوسف أضمر له الغيظ والعداء بسبب ما قام به

__________________

(١) هو قرا عثمان أمير قبيلة آق قوينلو.

(٢) الضوء اللامع ج ٦ ص ٣٢.

٣٥

ابنه كيمرز (١) (كيومرث) ابن الشيخ إبراهيم ، وعلاء الدولة ابن السلطان أحمد من إثارة غائلة عليه استفادة من غيابه ... فلما تم له الأمر ، وعلم أن هناك اتفاقا بين الحكومة الشروانية وبين الكرج (٢) سار عليه في هذه السنة وحاربه فكسره ومن ثم تمكن من إلقاء القبض عليه وقتل كافة أقربيه ، وجاء بالشيخ إبراهيم أسيرا إلى تبريز ، وهناك توالت الملتمسات إلى الأمير قرا يوسف ، فعفا عنه ، وأخذ منه فداء دمه ألفا ومائتي تومان فعاد إلى شروان فتسلطن بها.

وفي تاريخ الموصل أنه قتله الأمير قرا يوسف واستولى على ساوة وقزوين (٣) وفي تاريخ الغياثي توفي سنة ٨١٩ ه‍ وفي الأنباء أنه توفي سنة ٨٢١ ه‍ وعلى كل دامت حكومته وعاش بعد الواقعة نحو خمس سنوات فتوفي سنة ٨٢١ ه‍ ـ ١٤١٧ م وكان عاقلا ، كاملا ، ملك ٢٥ سنة وبلغ عمره ٦٧ سنة. وخلفه ابنه الأمير خليل فتم له الأمر أربعين سنة (٤) وامتدت حكومته إلى عام ٨٦٠ ه‍ ـ ١٤٥٦ م فتوفي (٥). وخلفه ابنه شروان شاه وفي أيامه ظهر الشيخ حيدر الصوفي (الصفوي) الأردبيلي سنة ٨٩٣ ه‍ ـ ١٤٨٨ م وحاصر بلاد شروان فاستنجد شروان شاه بصاحب العراق السلطان يعقوب وكانت نتيجة حربه معه أن قتل الشيخ حيدر وألقى القبض على شاه إسماعيل فهم شروان شاه بقتله فشفعوا فيه. فلما تخلص وذهب لحاله انتهز الفرصة فالتف حوله رجال

__________________

(١) كذا في الغياثي وجاء في روضة الصفا بلفظ كيومرث وهو الصحيح. وذاك محرف عنه تبعا لنطق الترك والعجم به (روضة الصفا ج ٦ ص ١٨٩).

(٢) تاريخ العراق ج ٢.

(٣) تاريخ الموصل ج ١ ص ٢٥٥.

(٤) جاء في منتخب التواريخ ٤٨ سنة في حين أن وفاته وتاريخ سلطنته معلومات فالصحيح ٤٠ سنة.

(٥) منتخب التواريخ ص ١٧٩ ولب التواريخ وروضة الصفا ج ٦ ص ١٨٩ وفيها تفصيل.

٣٦

أبيه وأسس (الحكومة الصفوية) على ما سيجيء ، فقضى على الحكومة الشروانية عام ٩٠٦ ه‍ ـ ١٥٠٠ م وبعد شهر واحد من استقرار الشاه إسماعيل بها تركها فاستولى الملك (غازي بيك بن شروان شاه) وبقي في الملك نحو ستة أشهر فبغى عليه ولده محمود بن غازي بيك فقتله واستولى على ملك أبيه ، فكره الرعية أوضاعه وسوء إدارته ، فدعوا أخاه صاحب كيلان شيخ شاه بن غازي. فلما علم السلطان محمود بقدوم شيخ شاه انهزم إلى شاه إسماعيل الصفوي وتمكن شيخ شاه في الحكومة مدة. ثم عاد السلطان محمود ومعه جيش الشاه فحاصر أخاه بقلعة كلستان أكثر من ثلاثة أشهر ، فاتفق أن اغتال شيخ شاه أحد مماليكه سنة ٩٢٥ ه‍ ـ ١٥٢٠ م وفتحت القلعة للسلطان محمود فلم يتم له الأمر ، وتسلطن بعده (خليل پادشاه) بن شيخ شاه ودام له الملك نحو عشرين سنة ولم يخلف ولدا فصار بعده ابن أخيه (شاه رخ پادشاه بن فرخ ميرزا بن شيخ شاه وفي أيامه ضعفت الحكومة الدربندية فانقرضت على يد الشاه طهماسب الصفوي. ثم نهض منها بعض الأفراد لاستعادة ملكهم المضاع فلم ينجحوا ، وصاروا في خبر كان (١).

وعلى كل كان لحكومة قرا قوينلو السيطرة أو السيادة على هذه الحكومة ...

حوادث سنة ٨١٦ ه‍ ـ ١٤١٣ م

قرا يوسف ـ بغداد : (فتوح في طريقه)

في هذه السنة توجه الأمير قرا يوسف إلى العراق ، قاصدا بغداد إلا أنه حدث له في طريقه بعض العوارض ، فمال من همذان إلى السلطانية وقزوين وطارم وساوه فاستولى عليها (٢) ، ولا يزال مشغولا

__________________

(١) أخبار الدول ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(٢) منتخب التواريخ ص ١٧٩.

٣٧

بالحروب لا هم له إلا التفكير في الفتح والاستيلاء فلم يسكن جشعه ... وإنما قويت آماله وزاد فيه حرص التوسع فبلغ الحد ... ولم يلتفت إلى توطيد النظام ...

قتلة العجل بن نعير : (أمير العرب)

في ١٤ ربيع الأول قتل الأمير العجل وهو من آل فضل من جراء منازعات بين أمراء سورية كذا في الأنباء ، وجاء في المنهل الصافي أنه قتل بيد الأمير طوخ نائب حلب يوم الاثنين ١٩ ربيع الأول ... ويقال إن اسمه يوسف بن محمد. ولد بعد الثمانين ...

وكان العجل شهما ... شديد السطوة والجرأة ... قد استعاد لآل مهنا شوكتهم إلا أنها خضدت بمقتله ... والتفصيل في أنباء الغمر. وعرف من أمرائهم حسين بن نعير أخوه وكان حيا شاهد ما جرى بينهم (١) ...

قتلة فضل بن عيسى :

هو فضل بن عيسى بن رملة بن جماز أمير آل علي. وكان ممن نصر برقوق لما خرج من الكرك ، فصار وجيها عنده ، ولم يزل إلى أن قتله نوروز في ذي القعدة وولي الإمرة (٣٥) سنة (٢).

وفيات

١ ـ الأبيوردي الخطيبي :

وهو أبو محمد حسام الدين حسن بن علي بن حسن وكان سرخسي

__________________

(١) أنباء الغمر وفيه تفصيل ، والضوء اللامع ج ٥ ص ١٤٦ والمنهل الصافي.

(٢) الضوء اللامع ج ٦ ص ١٧٤ والأنباء.

٣٨

الأصل ولد سنة ٧٦١ ه‍ ـ ١٣٦٠ م بأبيورد. انتقل جده إليها ، ونشأ بها ، وكان هو وأبوه كل منهما يعرف بالخطيب ، ولذا قيل له الخطيبي ، اشتغل بالعلوم على جماعة من الكبار ... ولازم السعد التفتازاني ، ثم رحل إلى بغداد سنة ٧٨٣ ه‍ ـ ١٣٨١ م ، وقرأ بها على الشهاب أحمد الكردي الفقيه ، ولازم فيها الشمس الكرماني ، ثم دخلها سنة ٧٩٣ ه‍ ـ ١٣٩١ م ، فأقام بها ، وقرأ الحديث على النور عبد الرحمن بن أفضل الدين الأسفرايني ، ثم رحل منها في أوائل سنة ٧٩٥ ه‍ ـ ١٣٩٣ م ، وتجول في أقطار عديدة ، وصنف التصانيف الجيدة المفيدة ، منها (ربيع الجنان في المعاني والبيان).

توفي ببلدة تعز من اليمن يوم السبت ١٣ جمادى الثانية لسنة ٨١٦ ه‍ ـ ١٤١٣ م (١).

حوادث سنة ٨١٧ ه‍ ـ ١٤١٤ م

برد وضنك :

في هذه السنة اشتد البرد في الموصل ، ومنع الناس من الخروج ، وكانوا في ضنك من قلة المطر ، ثم جاءت الأمطار بغزارة فزال البؤس (٢) ...

شاه رخ ـ قرا يوسف :

كان قد اختلف الحال بين قرا يوسف وبين شاه رخ ، ثم تصالحا

__________________

(١) الضوء اللامع ج ٣ ص ١١٠.

(٢) الآثار الجلية في الحوادث الأرضية. لياسين العمري. أوله : الحمد لله الذي دبر وحكم ، رتبه على اثنتي عشرة مقالة ، كل مقالة في حوادث مائة سنة ، وابتدأ من سنة الهجرة ... والنسخة جديدة رأيتها في مكتبة الملة من كتب علي أميري رقم ٢٣٢٩.

٣٩

وتحالفا ، وتصاهرا ثم انتقض الصلح في هذه السنة وتحاربا (١) ...

إحراق قبر الشيخ عدي ـ قتل اليزيدية :

«وفيها ـ في سنة ٨١٧ ه‍ ـ ١٤١٤ م ـ أحرق قبر الشيخ عدي بجبل هكار من بلاد الأكراد وهذا الشيخ عدي بن مسافر الهكاري (بتشديد الكاف) ، صحب عدة من مشايخ الصوفية ، وسكن جبل الطائفة الهكارية من الأكراد ، وهو من أعمال الموصل ، وبنى له به زاوية فمال إليه بتلك النواحي من بها ، واعتقدوا صلاحه ، وخرجوا في اعتقادهم عن الحد في المبالغة حتى مات عن تسعين سنة في سنة سبع وقيل خمس وخمسين وخمسمائة فدفن بزاويته وعكفت طائفته المعروفة بالعدوية على قبره ، وهم في عدد كثير ، وجعلوه قبلتهم التي يصلون إليها ، وذخيرتهم في الآخرة التي يعولون عليها ، وصار قبره أحد المزارات المعدودة والمشاهد المقصودة لكثرة أتباعه وشهرته في الأقطار ، وصار أتباعه يقيمون بزاويته عند قبره شعاره ، ويقتفون آثاره ، والناس معهم على ما كانوا عليه زمن الشيخ من جميل الاعتقاد ، وتعظيم الحرمة ، فلما تطاولت المدة تزايد غلو أتباعه حتى زعموا أن الشيخ عدي بن مسافر هذا هو الذي يرزقهم ، وصرحوا بأن كل رزق لا يأتي من الشيخ عدي لا نرضاه ، وأن الشيخ جلس مع الله ـ تعالى عن قولهم ـ وأكل معه خبزا وبصلا ، وتركوا الصلوات المفروضة في اليوم والليلة ، وقالوا : الشيخ عدي صلى بنا ، واستباحوا الفروج المحرمة ، وكان للشيخ عدي خادم يقال له (حسن البواب) فزعموا أن الشيخ لما حضرته الوفاة أمر حسن (كذا) هذا أن يلصق ظهره بظهره ، فلما فعل ذلك قال له الشيخ «انتقل نسلي إلى صلبك» ، فلما مات الشيخ عدي لم يعقب ولدا وصارت ذرية الشيخ

__________________

(١) أنباء الغمر ، والشذرات ج ٧ ص ١٦٣.

٤٠